الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين محمد بن عبدالله الصادق الآمين وعلى صحابته أجمعين
وبعد
فإن إلحياة الدنيا لا تخلو من المنغصات والمكدرات،فأحوالها متبدلة، وتصاريفها متغيرة، إذا أضحكت أبكت،وإذا أفرحت أحزنت، فلا فرح يدوم فيها ولا حزن، ودوام الحال فيها من الحال
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
والإنسان في هذه الدنيا عرضة للرزيا والكربات ، والبلايا والنكبات،لا يسلم منها غني بغناه، ولا قوي بقواه، ولا مخرج للعبد منها إلا باللجوء إلى رب الأرض والسموات ، وكاشف الهم والكربات ، الذي قال عن نفسه في محكم التنزيل “يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ” فمن شأنه سبحانه وتعالى أن يجيب داعيا، ويعطي سائلا،ويفك عانيا ،ويشفي سقيما ،ويكشف كربا، ويغفر ذنبا
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ:
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩] قَالَ:
(مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا ويرفع قوماً ويضع آخرين)
ينبغي على المسلم أن يعلم علم يقينا أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسر، وأن دوام الحال من المحال ، وأنه ما بين غمضة عين وأنتباهتها يغير الله من حال إلى حال
كم من مريض شفي من مرضه
وكم من مسكين اغتنى بعد فقره
وكم من مظلوم إنتصر ظلمه
وكم من مهموم سر بعد حزنه
كل ذلك بفضل الله ومنه، وجوده وكرمه، فله الحمد عدد خلقه ،ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
عباد الله
أن ثمة أسبابا لتفريج الكربات ، وقضاء الحاجات، يحسن بالمسلم إن يعلمها ويعمل بمقتضاها ،ليرفع عن نفسه البلاء، ويكشف بسببها الكرب والعناء، وإن من أعظم هذه الأسباب
توحيد الله تعالى، فمن أقر بالتوحيد وحققه في حياته ، فرج الله همه وكشف غمه
هذا نبي الله يونس عليه السلام التقمه الحوت بأمر الله سبحانه وتعالى،وظل في ظلمات ثلاث ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل،فلجاء الى الله بتوحيده فنجاه الله من غمه قال تعالى”وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ&فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ” أي نخلصهم من همومهم وغمومهم بسبب توحيدهم لربهم واعترافهم بذنبهم
كذلك من أسباب تفريج الكربات كذلك تقوى الله عزوجل، وذلك بطاعته فيما أمر وترك ما نهى عنه وزجر يقول الله تعالى” وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ”
نزلت هذه الآية الكريمة في عوف بن مالك أسر المشركون إبنا له يسمى سالما، فأتى عوف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي الفاقة، وقال إن العدو أسر إبني، وجزعت الأم فما تأمرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اتق الله واصبر،وآمرك وإياها أن تكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقالت زوجته: نعم ما أمرنا به، فجعلا يقولان ذلك،فغفل العدو عن أبنه فساق غنمهم وإبلهم وكانت كثيرة،وجاء بها إلى المدينة، فقال أبوه للنبي صلى الله عليه وسلم أيحل لي أن أكل مما أتي به فقال” نعم” ونزلت الايه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم” ومن يتق الله ”
إخوة الاسلام والايمان
ومن أعظم أسباب تفريج الكربات الصلاة يقول الله تعالى”وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ”
أي استعينوا على تحمل المصائب ودفع اضرارها بالصبر والصلاة ويقول في آية أخرى”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع الى الصلاة
فيا عبدالله اذا ضاق الصدر وصعب الامر وكثر المكر فاهرع الى الصلاة
اذا أظلمت في وجهك الايام، واختلفت الليالي، وتغير الأصحاب وفارقت الاحباب فعليك بالصلاة
من أسباب تفريج الكربات ورفع الإبتلاءات كذلك اللجوء بالدعاء الى رب الإرض والسموات يقول سبحانه وتعالى” أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ”
هذا نبي الله أيوب عليه السلام أصيب ببلاء عظيم وأبتلاء جسيم
فذهبت عافيته،ومات أولاده، وضاع ماله،ثم رفع الله سبحانه وتعالى عنه ذلك بسبب دعائه قال تعالى” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ& فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ”
يا صاحب الهم إن الهمَّ مُنْفَرِج أبشر بخير فان الفارجَ الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه لا تيأسن فان الكافي الله
إذا بُلِيْتَ فاثق بالله وارضَ به فان الذي يكشف البلوى هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة. لا تعجزن فان الصانع الله
قد يبتلى العبد بالمرض أو الفقر أو الهم أوالقلق أو الدين أو السجن أو غير ذلك من أنواع الإبتلاءات ،فاذا لزم الإستغفار وأكثر منه وداوم عليه،رفع عنه البلاء وكشف عنه العناء يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ” رواه أبو داود وابن ماجه والامام احمد في مسنده وصحح إسناده الشيخ احمد شاكر
عباد الله:
من أسباب تفريج الكرب كذلك : تنفيس الكرب عن المكروبين، وطرد الهم عن المهمومين،ومواساة المحرومين،والعطف على اليتامي والمساكين،فعن ابي قتادة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسرا أو يضع عنه” رواه مسلم
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه” مَنْ كانَ في حاجةِ أخيهِ كانَ اللهُ في حاجتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عن مُسلم كُرْبَة فَرَّجَ اللهُ عنهُ بهَا كُرْبة مِنْ كُرَبِ يومِ القيامةِ”
إن المسلم الحق هو الذي يعتبر المسلمين كلهم إخوانا له فلا يتوانى لحظة عن مداواة جراحاتهم،والسعي في تفريج كرباتهم، وقضاء حاجاتهم،لأن هذا من اجل الطاعات،واعظم القربات، وافضل الاعمال المنجيات.